التزام تونس بتطبيق مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة خطوة كبيرة على الدرب الطويل لتحسين الحوكمة
التزام تونس بتطبيق مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة خطوة كبيرة على الدرب الطويل لتحسين الحوكمة
طوال سنوات، كان ينظر لقطاع الصناعات الاستخراجية في تونس بكثير من الريبة. حيث ندرت بشكل خاص المعلومات المتصلة بالاحتياطي و بمنح الحقوق ومداخيل الموارد والتصرف فيها.
ولكن خلال السنتين الأخيرتين، قطعت تونس أشواطًا كبيرة نحو تحقيق المزيد من الانفتاح ونشر المعطيات، تجلّى ذلك من خلال إنشاء بوّابة البيانات المفتوحة، علاوة على نشر العقود و الالتزام بتطبيق مبادئ التعاقد المفتوح. وقد تعزّزت هذه الإنجازات بالتزام تونس بالانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة ضمن خطّة العمل الوطنيّة الجديدة لشراكة الحكومة المفتوحة. وبذلك، تنضمّ تونس إلى قائمة الـ 18 دولة التي ربطت بين مساري شراكة الحكومة المفتوحة و مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، بما فيها الولايات المتّحدة، والمملكة المتّحدة والمكسيك.
ما حاجة تونس إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة ؟
زاد الغموض الّذي يكتنف القطاع الاستخراجي من حدّة التوتر في تونس. ففي عام 2013، تصاعدت وتيرة الدعوات المطالبة بمزيد من الشفافية. ونزل التونسيون إلى الشارع، مطالبين بالنفاذ إلى المعلومة المتعلقة بقطاع الموارد الطبيعيّة، الّذي يعتبره الكثيرون منهم مشوبا بالفساد. ودامت الحملة أشهرًا، وأدّت إلى اشتباكات عنيفة بين قوى الأمن والمتظاهرين. ولم تحقّق جهود التعبئة واسعة النطاق أي تغيير يُذكر: فالحوار بين الاطراف المتدخلة كان محدودًا.
الانتقال من التصريحات إلى الالتزامات
كان رئيس الحكومة السابق السيد حمادي الجبالي أول مسؤول تونسي رفيع المستوى أعلن عن نيّة الانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة و ذلك سنة 2012.
وفي السنوات التي تلت ذلك، قامت منظمات المجتمع المدني وأعضاء البرلمان والصحافيون بمناصرة الانضمام إلى مبادرة الشفافية ضمن مقاربة اتسمت بقدر أكبر من التنظيم و كانت نابعة من عديد جهات البلاد. هذا و زار مسؤولون رفيعو المستوى الأمانة الدوليّة لمبادرة الشفافية في أوسلو خلال شهر نوفمبر 2015 بغية دراسة جدوى تطبيق المبادرة في تونس. وبعد الزيارة، أعرب مجدّدا وزير الصناعة آنذاك السيد زكريا حمد عن نيّة تونس في الانضمام إلى مبادرة الشفافية أمام وسائل الإعلام وخلال جلسة استماع برلمانيّة في شهر ديسمبر 2015.
وتابع المجتمع المدني هذا النسق التصاعدي لمناصرة الانضمام لمبادرة الشفافية بالجهات، و كذلك بمناسبة النقاش حول مضمون خطّة العمل الوطنيّة الجديدة لشراكة الحكومة المفتوحة. وشكّل قرار الحكومة التونسيّة بإدراج مبادرة الشفافية ضمن الخطّة خطوة هامّة في اتّجاه تحقيق مزيد من الانفتاح وتحسين الحوكمة. حيث اتخذت الحكومة إجراءً مشجّعًا تمثّل في تحديد خطوات واضحة للمضيّ قدمًا في المسار و ذلك بتعيين منسّق وطني يقود المبادرة ، ثمّ تشكيل مجموعة أصحاب المصلحة و أخيرا وإعداد برنامج عمل و ذلك في حدود شهر جويلية 2018.
توصيات لتطبيق مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة
بغية الإيفاء بهذه الالتزامات، نقترح التوصيات التالية بناءً على الممارسات الدوليّة الفضلى :
اختيار المنسّق الوطني المناسب مفتاح لانجاح المبادرة. لا بدّ أن يكون المنسّق الوطني لمبادرة الشفافية في تونس مسؤولاً حكوميًّا رفيع المستوى و مؤثّرا وتوافقيًّا. يتعين أن يستجيب المنسّق الوطني لمعياريين أساسيّين، ألا وهما القدرة على التأثير واتّخاذ القرارات الجريئة؛ والتفرّغ لمراقبة العمليّة ومتابعتها بشكل فعّال ،و نرمي بذلك أن يكون لديه الوقت للقيام بهذا العمل. وتشير التجارب في البلدان الأخرى إلى أنّ تعيين منسّق لا يستجيب لهذه المعايير قد يفضي إلى مصاعب كبيرة وإن كان من الممكن تفاديها.
مدى تمثيلية مجموعة أصحاب المصلحة مسألة جوهرية: تشير التجربة الدوليّة إلى أنّ مدى تمثيلية مجموعة أصحاب المصلحة ليست مجرّد شرطٍ شكلي يجب احترامه، بل انها مسألة محورية لنجاح المسار. وبشكل عام، لا تطرح مسألة اختيار ممثلي الحكومة والشركات في هذه المجموعة اشكاليات كبيرة، غير أنّ بعض البلدان تشهد فشلاً في التوصّل إلى اتفاق رسمي بين منظّمات المجتمع المدني حول اختيارممثليهم، ما يترتب عنه تعطّل المسار. هذا و قد سبق لمنظمات المجتمع المهتمّة بالقطاع في تونس أن تولت النّقاش حول هذا الموضوع. ويساعد ذلك على ضبط مجموعة من المعايير ورسم مسار لاختيار منظّمات المجتمع المدني لممثّليهم، ليشكّل ذلك نقطة انطلاق للحكومة عند إعداد النصّ المتعلق بتكوين مجموعة أصحاب المصلحة.
اعداد خطّة العمل مسار تعاوني: تقوم مجموعة أصحاب المصلحة بصياغة خطّة عمل هدفها تلافي الثغرات التي تحول دون ارساء الشفافية و تطوير برنامج إصلاحات ذات صلة و تصادق عليها. ويتعيّن على أعضاء مجموعة أصحاب المصلحة أن يتوصّلوا إلى تفاهم حول ما يجب تضمينه بخطّة العمل. ويمكن للخلافات أن تعيق الموافقة النهائيّة على الخطّة. وفي هذا الصدد، تساعد الاجتماعات غير الرسميّة على النظر في الاتفاقات الحاصلة و طرح نقاط الاختلاف في وجهات النظر حول المسائل المدرجة.
من الأهميّة بمكان إيجاد موارد تمويل. إنّ الشركاء المحتملين لتونس مستعدّون لتقديم الدعم الفنّي أو المادي لتنفيذ مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجيّة. وخلال السنة المنصرمة، انصبّ جهد خلية الحوكمة التابعة لوزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجدّدة على ايجاد التمويلات اللازمة لتغطية تكاليف مبادرة الشفافية. ويمكن للحكومة الجديدة أن تبني على هذه الجهود للشروع في التنفيذ في أقرب الآجال.
شهدت حوكمة الموارد الطبيعيّة في تونس تحسّنا ملحوظا في السنوات الأخيرة، و من شأن مبادرة الشّفافية أن تساعد في الحفاظ على هذا النّفس الاصلاحي إذا ما طُبّقت على نحوٍ فعّال. وتبقى المبادرة على أهميتها مجرّد وسيلة، إذ يتوقّف نجاحها على مدى استعداد جميع المتدخلين في القطاع و نجاعتهم.
وسام الهاني هو مسؤول برامج لدى معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة (NRGI). وئام مالكي هي مساعدة المعهد في تونس. كارلوس مونجي هو مدير أميركا اللاتينيّة لدى المعهد.
طوال سنوات، كان ينظر لقطاع الصناعات الاستخراجية في تونس بكثير من الريبة. حيث ندرت بشكل خاص المعلومات المتصلة بالاحتياطي و بمنح الحقوق ومداخيل الموارد والتصرف فيها.
ولكن خلال السنتين الأخيرتين، قطعت تونس أشواطًا كبيرة نحو تحقيق المزيد من الانفتاح ونشر المعطيات، تجلّى ذلك من خلال إنشاء بوّابة البيانات المفتوحة، علاوة على نشر العقود و الالتزام بتطبيق مبادئ التعاقد المفتوح. وقد تعزّزت هذه الإنجازات بالتزام تونس بالانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة ضمن خطّة العمل الوطنيّة الجديدة لشراكة الحكومة المفتوحة. وبذلك، تنضمّ تونس إلى قائمة الـ 18 دولة التي ربطت بين مساري شراكة الحكومة المفتوحة و مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، بما فيها الولايات المتّحدة، والمملكة المتّحدة والمكسيك.
ما حاجة تونس إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة ؟
زاد الغموض الّذي يكتنف القطاع الاستخراجي من حدّة التوتر في تونس. ففي عام 2013، تصاعدت وتيرة الدعوات المطالبة بمزيد من الشفافية. ونزل التونسيون إلى الشارع، مطالبين بالنفاذ إلى المعلومة المتعلقة بقطاع الموارد الطبيعيّة، الّذي يعتبره الكثيرون منهم مشوبا بالفساد. ودامت الحملة أشهرًا، وأدّت إلى اشتباكات عنيفة بين قوى الأمن والمتظاهرين. ولم تحقّق جهود التعبئة واسعة النطاق أي تغيير يُذكر: فالحوار بين الاطراف المتدخلة كان محدودًا.
الفسفاط بالحوض المنجمي بقفصة، تونس
تشكّل مبادرة الشفافية أداة تخوّل لمختلف المتدخلين التجسيم الفعلي لمبدأ المساءلة وتحسين التصرف في الموارد. أمّا في تونس، فمن شأن المبادرة أن تعزّز التنمية الجهويّة، التي تشكّل حجر أساس الدستور الجديد. فضلا عن تعزيزها لولوج العموم إلى المعرفة، تشجّع الشفافية مجتمع الأعمال على الانتصاب بتونس. وستوفّر أيضًا فضاء للنقاش بشأن الإصلاحات الممكنة. وقد أعلن السيد يوسف الشاهد الّذي عُيِّنَ مؤخّرًا رئيسًا للحكومة أنّ الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد تتصدّران برنامج عمله.الانتقال من التصريحات إلى الالتزامات
كان رئيس الحكومة السابق السيد حمادي الجبالي أول مسؤول تونسي رفيع المستوى أعلن عن نيّة الانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة و ذلك سنة 2012.
وفي السنوات التي تلت ذلك، قامت منظمات المجتمع المدني وأعضاء البرلمان والصحافيون بمناصرة الانضمام إلى مبادرة الشفافية ضمن مقاربة اتسمت بقدر أكبر من التنظيم و كانت نابعة من عديد جهات البلاد. هذا و زار مسؤولون رفيعو المستوى الأمانة الدوليّة لمبادرة الشفافية في أوسلو خلال شهر نوفمبر 2015 بغية دراسة جدوى تطبيق المبادرة في تونس. وبعد الزيارة، أعرب مجدّدا وزير الصناعة آنذاك السيد زكريا حمد عن نيّة تونس في الانضمام إلى مبادرة الشفافية أمام وسائل الإعلام وخلال جلسة استماع برلمانيّة في شهر ديسمبر 2015.
السيد قيس الماجري، ممثل الحكومة التونسية بصدد القاء كلمة بالمؤتمر العالمي لمبادرة الشفافية
وخلال المؤتمر العالمي لمبادرة الشفافية الذي انعقد بليما-البيرو في شهر فيفري2016 ، صرّح السيد قيس الماجري رئيس خلية الحوكمة بالوزارة، أنّ "تونس هي قصّة النجاح الوحيدة للربيع العربي، وأنا على يقين أنّها ستطلق شرارة "ربيع الشفافية" الجديد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للانتقال من التقارير إلى تحقيق النتائج ".وتابع المجتمع المدني هذا النسق التصاعدي لمناصرة الانضمام لمبادرة الشفافية بالجهات، و كذلك بمناسبة النقاش حول مضمون خطّة العمل الوطنيّة الجديدة لشراكة الحكومة المفتوحة. وشكّل قرار الحكومة التونسيّة بإدراج مبادرة الشفافية ضمن الخطّة خطوة هامّة في اتّجاه تحقيق مزيد من الانفتاح وتحسين الحوكمة. حيث اتخذت الحكومة إجراءً مشجّعًا تمثّل في تحديد خطوات واضحة للمضيّ قدمًا في المسار و ذلك بتعيين منسّق وطني يقود المبادرة ، ثمّ تشكيل مجموعة أصحاب المصلحة و أخيرا وإعداد برنامج عمل و ذلك في حدود شهر جويلية 2018.
توصيات لتطبيق مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجيّة
بغية الإيفاء بهذه الالتزامات، نقترح التوصيات التالية بناءً على الممارسات الدوليّة الفضلى :
اختيار المنسّق الوطني المناسب مفتاح لانجاح المبادرة. لا بدّ أن يكون المنسّق الوطني لمبادرة الشفافية في تونس مسؤولاً حكوميًّا رفيع المستوى و مؤثّرا وتوافقيًّا. يتعين أن يستجيب المنسّق الوطني لمعياريين أساسيّين، ألا وهما القدرة على التأثير واتّخاذ القرارات الجريئة؛ والتفرّغ لمراقبة العمليّة ومتابعتها بشكل فعّال ،و نرمي بذلك أن يكون لديه الوقت للقيام بهذا العمل. وتشير التجارب في البلدان الأخرى إلى أنّ تعيين منسّق لا يستجيب لهذه المعايير قد يفضي إلى مصاعب كبيرة وإن كان من الممكن تفاديها.
مدى تمثيلية مجموعة أصحاب المصلحة مسألة جوهرية: تشير التجربة الدوليّة إلى أنّ مدى تمثيلية مجموعة أصحاب المصلحة ليست مجرّد شرطٍ شكلي يجب احترامه، بل انها مسألة محورية لنجاح المسار. وبشكل عام، لا تطرح مسألة اختيار ممثلي الحكومة والشركات في هذه المجموعة اشكاليات كبيرة، غير أنّ بعض البلدان تشهد فشلاً في التوصّل إلى اتفاق رسمي بين منظّمات المجتمع المدني حول اختيارممثليهم، ما يترتب عنه تعطّل المسار. هذا و قد سبق لمنظمات المجتمع المهتمّة بالقطاع في تونس أن تولت النّقاش حول هذا الموضوع. ويساعد ذلك على ضبط مجموعة من المعايير ورسم مسار لاختيار منظّمات المجتمع المدني لممثّليهم، ليشكّل ذلك نقطة انطلاق للحكومة عند إعداد النصّ المتعلق بتكوين مجموعة أصحاب المصلحة.
اعداد خطّة العمل مسار تعاوني: تقوم مجموعة أصحاب المصلحة بصياغة خطّة عمل هدفها تلافي الثغرات التي تحول دون ارساء الشفافية و تطوير برنامج إصلاحات ذات صلة و تصادق عليها. ويتعيّن على أعضاء مجموعة أصحاب المصلحة أن يتوصّلوا إلى تفاهم حول ما يجب تضمينه بخطّة العمل. ويمكن للخلافات أن تعيق الموافقة النهائيّة على الخطّة. وفي هذا الصدد، تساعد الاجتماعات غير الرسميّة على النظر في الاتفاقات الحاصلة و طرح نقاط الاختلاف في وجهات النظر حول المسائل المدرجة.
من الأهميّة بمكان إيجاد موارد تمويل. إنّ الشركاء المحتملين لتونس مستعدّون لتقديم الدعم الفنّي أو المادي لتنفيذ مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجيّة. وخلال السنة المنصرمة، انصبّ جهد خلية الحوكمة التابعة لوزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجدّدة على ايجاد التمويلات اللازمة لتغطية تكاليف مبادرة الشفافية. ويمكن للحكومة الجديدة أن تبني على هذه الجهود للشروع في التنفيذ في أقرب الآجال.
شهدت حوكمة الموارد الطبيعيّة في تونس تحسّنا ملحوظا في السنوات الأخيرة، و من شأن مبادرة الشّفافية أن تساعد في الحفاظ على هذا النّفس الاصلاحي إذا ما طُبّقت على نحوٍ فعّال. وتبقى المبادرة على أهميتها مجرّد وسيلة، إذ يتوقّف نجاحها على مدى استعداد جميع المتدخلين في القطاع و نجاعتهم.
وسام الهاني هو مسؤول برامج لدى معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة (NRGI). وئام مالكي هي مساعدة المعهد في تونس. كارلوس مونجي هو مدير أميركا اللاتينيّة لدى المعهد.