هل تم انتهاز فرصة تنقيح مجلة المحروقات لتكريس مبدأ الشفافية ؟
انتقل الحديث عن حوكمة قطاع النفظ و الغاز و المناجم من طور " المحظور" الى قلب النقاشات حول المسار الاصلاحي بالبلاد التونسية اثر الثورة منها تلك التي رافقت صياغة دستور 2014. حيث كان مرد هذه النقاشات الاصوات المتعالية للجهات المهمّشة و منظّمات المجتمع المدني التي اتهمت نظام بن علي الذي تم اسقاطه بالرشوة و سوء التصرف في الثروات الطبيعية للبلاد.
لذلك ربط الدستور مفهوم الثروات الطبيعيىة بالحوكمة الرشيدة و التنمية المستدامة و التنمية الجهوية ، و يمثل الفصل 13 من الدستور احدى هذه الاحكام الدستورية التي تطلّبت وجوب الحصول الموافقة البرلمانية عند ابرام العقود المتعلقة بالثروات الطبيعية. هذا و قد كان معهد حوكمة الموارد الطبيعية قد اصدر سنة 2016 دراسة تتعلق بالتجارب العالمية في مجال الموافقة البرلمانية على العقود بيّنت من خلالها ان الممارسة يمكن ان تفضي الى مزايا و الى مخاطر ، و تم اقتراح جملة من المبادئ التوجيهية لتطبيق الفصل 13 . و ان كانت الحكومة التونسية قد قامت بخطوات عملية هامة لاضفاء مزيد من الشفافية في التصرف في الصناعات الاستخراجية على غرار اطلاق قاعدة البيانات المفتوحة و التطوّرات الايجابية في مسألة الانضمام لمبادرة الشفافية ، الاّ ان هذه المجهودات لم تعقبها الى وقت قريب خطوات على مستوى تطبيق الفصل 13. لذا قدّمت الحكومة التونسية مؤخّرا مشروع قانون لتنقيح مجلة المحروقات على ضوء احكام الفصل 13 من الدستور.
و يبقى السؤال المطروح فيما اذا كا المشروع المقدم قد استجاب الى الاهداف و التحديات المتعلقة بتطبيق الفصل 13 من الدستور ؟
فرصة مهدروة لضمان الشفافية
اختزل تأويل احكام الفصل 13 من الدستور في جزء وحيد منه متعلّق بوجوب الموافقة على الاتفاقيات الخاصة بمقتضى قانون { الاتفاقيات الخاصة هي العقود التي تحدد شروط البحث و الاستغلال في منطقة محددة حسب مجلة المحروقات}. يمثّل مشروع القانون في مجمله فرصة مهدورة من أجل تطبيق الفصل 13 من الدستور وفقا للمقاصد الدستورية المتعلقة بالشفافية و المساءلة ، حيث تشكل مسألة غياب احكام تهم نشر العقود خيبة أمل كبيرة خاصة للمجتمع المدني . اذ بينت التجارب المقارنة ان الموافقة البرلمانية على العقود لوحدها لا تضمن الشفافية . كانت تونس قد أقرت بأهمية شفافية العقود عبر اتخاذها خطوة هامة تمثلت في نشر العديد من العقود النفطية و كراسات الشروط المنجمية ، حيث من المفاجئ ان لا يتم تبني هذه الممارسة لتصبح الزامية ضمن المجلة ، لكي لا يكون هذا الاجراء في المستقبل رهين قرارات سياسية مرتبطة بالقناعات الشخصية لبعض المسؤولين.
تمت الاشارة ضمن مذكّرة شرح الأسباب المصاحبة للمشروع أن تمشي الاصلاح سيتّسم بالمرحلية و سيتمّ بموجبه التطرق الى المسائل المتعلقة بالشفافية في مرحلة ثانية . و فشل هذا التمشي في الربط بين الشفافية والفصل 13 من الدستور باعتبارها احدى غاياته الرئيسية، و باعتبار أن تأويل هذا الفصل ينبغي ان يتم في اطار روح الدستور المبني على مبادئ الشفافية في تنظيم عمل الادارة في فصله الـ15 و حق العموم في النفاذ للمعلومة المكرّس بالفصل 32 منه.
تجاوز المخاطر المتعلقة بالموافقة على العقود
يتطلب تطبيق الفصل 13 من الدستور تجاوز المخاطر المرتبطة بالموافقة البرلمانية على العقود. و تشمل هذه المخاطر في تلك التي تتعلق بالنّقص في وضوح الاجراءات أو الادوار ممّا قد يجعله عائقا أمام الاستثمار او محلّ مراقبة غير مجدية من قبل البرلمان . حيث لم يوضّح مشروع القانون المسائل المتعلقة بعناصر الرقابة و النقاط التي سيركّز عليها البرلمان عند التثبّت كما لم يضبط المعلومات المحددّة التي على الحكومة أن تقدّمها للبرلمان قصد تسهيل عملية المراقبة و الموافقة على العقود.
حاول مقترح التنقيح ان يعالج مسألة نجاعة الرقابة عبر المساس بنظام المستويين من العقود النفطية { يتمثل المستوى الاول في الاتفاقيات الخاصة في حين يتعلق المستوى الثاني بعقود تقاسم الانتاج و عقود المشاركة } من خلال ادراج مزيد من العناصر بالاتفاقية الخاصة . و يعني ذلك ان العديد من البنود الهامة على غرار نسب تقاسم الانتاج التي لها تأثير كبير على موارد الدولة ستضمّن في المستقبل بالاتفاقية الخاصة كمستوى اول من العقود بعدما كانت مدرجة بالمستوى الثاني من العقود مما سيمكّن البرلمان من مراقبة هذه العناصر الهامة. في الحقيقة يصعب عمليا التخلي نهائيا عن المستوى الثاني من العقود ، و يكمن الحلّ في هذه الحالة في اعتبار المستوى الثاني من العقود من ملحقات الاتفاقية الخاصة لتكون تبعا لذلك خاضعة للرقابة البرلمانية.
يثمثّل الخطر الآخر فيما يتعلق بالرقابة البرلمانية في أن تتضمّن العقود المبرمة بصفة منفردة لبـنود مخالفة لمجـلة المـحروقات . حيث لا ينبغي ان تكون الرقابة البرلمانية مطيّة لعدم احترام العقود لمقتضيات القانون . و تكون نماذج الاتفاقيات وسيلة هامة لبلوغ هذه الغاية. كما تعزّز نماذج العقود القدرات التفاوضية للحكومة تجاه الشركات ، و تقلّص تبعا لذلك من هامش التقدير و تسهّل عملية ادارة العقود. تعتبر مسألة تكريس الاطار القانوني الحالي لنظام نماذج الاتفاقيات المنشورة احدى نقاط قوّته . و بالتالي فان الحديث عن الغاء الاتّفاقيات النموذجية في اطار التنقيح قد لا يستقيم باعتبار أنه يؤدّي الى ارتهان التفاوض حول العقود الى قرارات شخصية تفضي حتما الى التقدير الخاطئ.
هل سيكون الجمع بين مرحلتي الاستكشاف و البحث في صالح الدولة التونسية؟
تمثل مسألة ضمّ مرحلة الاستكشاف الى مرحلتي البحث و الاستغلال اللّذين شكّلا في السابق الاتفاقية الخاصة احدى اضافات مشروع القانون . و ينبغي التفكير فيما اذا كان هذا الخيار قد يفضي الى اضعاف الموقع التفاوضي للدولة التونسية من عدمه. و يتضح من خلال مشروع القانون أنه سيتم حسم بعض العناصر التعاقدية على غرار نسب تقاسم الانتاج عند منح رخصة الاستكشاف عوضا عن مرحلة مرحلة البحث كما هو معمول به حاليا. سيؤدّي ذلك الى اتخاذ الحكومة لقرارات عند التفاوض بناء على معلومات جيولوجية منقوصة ، و سيجعل الدولة التونسية في التزام طويل المدى مع شركات لا تملك عنها الدولة التونسية اي فكرة فيما يتعلق بأنشطتها في تونس.
عموما ينبغي على الحكومة التونسية ان ترمي من خلال التنقيح الى تكريس مزيد من الشفافية و اعمال المنافسة في نظام اسناد الرخص الذي يتسم حاليا بقدر من الغموض و هامش كبير من التقدير من جانب الادارة . اذا لم يتم تجاوز هذه النقاط ، فانه من المحتمل جدا ان يتواصل النقاش و التجاذب حول تنفيذ العقود النفطية الى ما لا نهاية حتى مع تكريس آلية الموافقة البرلمانية على العقود ، اباعتبار ان البرلمانيين و الاطراف الرقابية الاخرى سيسألون باستمرار عن خلفيات اختيار مستثمرين بعينهم و عن أسباب ادراج بنود معينة دون اخرى بالعقود.
الشفافية و المسار التشاركي عند اعداد القانون
في النهاية ، ينبغي على اصحاب المبادرة التشريعية ضمان استشارة الاطراف الاخرى المتدخلة في القطاع منها المجتمع المدني و الشركات . حيث تخول عملية الاستشارة في اطار تشاركي و شفاف تحسين نتائج الاصلاحات القانونية التي تعتزم الحكومة القيام بها.
يمكّن ربط الموافقة البرلمانية على العقود بمبادئ الشفافية و الحوكمة من تعزيز احتمالات نجاح هذه الآلية. بالمقابل ، قد يترتب عن غياب هذه المقاربة عبر التكريس البسيط و السطحي للمصادقة البرلمانية على الاتفاقيات تصاعد وتيرة الدعوات المطالبة بمزيد من الشفافية و المساءلة في التصرف في الثروات الطبيعية في تونس .
وسام الهاني : مكلف ببرنامج بمعهد حوكمة الموارد الطبيعية
أمير الشفائي: محلّل قانوني سامي معهد حوكمة الموارد الطبيعية
Authors
Wissem Heni
Tunisia Country Manager
Amir Shafaie
Legal and Economic Programs Director