Image placeholder

لبنان: تقييم مُحدّث بشأن تأثير جائحة فيروس كورونا على قطاع الصناعات الاستخراجية وإدارة الموارد

English »










أبرز الرسائل

  • ليس من بوادر تنذرر بانحسار الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها لبنان والتي زادت جائحة كوفيد-19 من تفاقمها. ومن المتوقّع أن يسجّل اقتصاد البلاد انكماشاً بنسبة 25 في المائة تقريباً في عام 2020.
  • استمرت أنشطة التنقيب عن النفط والغاز وسط إجراءات الإغلاق، لكن في أبريل / نيسان 2020، أكدت الحكومة أن شركة النفط الفرنسية توتال لم تجد مكمن غاز أثناء الحفر في أول بئر استكشافي للنفط والغاز في لبنان والواقع في المربّع 4 البحري.
  • في تشرين الأول/أكتوبر، بدأت المحادثات حول الحدود البحرية المتنازع عليها بين لبنان واسرائيل والتي تمتدّ على طولها على الأرجح حقول من الغاز القادرة على توليد الأرباح، بما في ذلك المربّع 9 الذي من المقرّر أن يكون ثاني حقل نفط وغازفي لبنان يتم التنقيب فيه.
  • يدفع لبنان أسعاراً مرتفعة لاستيراد الفيول والديزل لتوليد الكهرباء. وإذا استمر المسؤولون في التخطيط لسياسة الطاقة على أساس احتمال اكتشاف موارد من النفط والغاز عوضاً عن الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، من المرجّح أن تتفاقم المشاكل المالية في البلاد.

1. ملخّص حول الأثر الاقتصادي لجائحة كوفيد -19

يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود. ففي تشرين الأول/ أكتوبر، صرّح صندوق النقد الدولي أن انكماش الاقتصاد اللبناني سيصل الى نسبة 25٪ في عام 2020.

في الواقع، يعود جزء كبير من الأزمة إلى ما قبل ظهور الجائحة، لكن هذه الأخيرة أتت لتقوّض أي آفاق للتعافي الاقتصادي في لبنان. فقد فقدت الليرة اللبنانية أكثر من سبعين في المائة من قيمتها منذ كانون الثاني/يناير 2020، ناهيك عن احتياطي الدولار الأميركي الذي أصبح محدوداً لدرجةٍ أن المصارف عمدت الى فرض قيود على عمليات السحب. وفي آذار/مارس، عجز لبنان عن خدمة بعض ديونه السيادية (سندات اليوروبوند) وهو الآن في حالة تخلّف عن السداد رسميًا.

وفي تموز/ يوليو، أوقفت الحكومة اللبنانية المناقشات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ تنطوي على ضخ مليارات الدولارات التي تشتد حاجة الاقتصاد اللبناني إليها، إذ عجزت الحكومة والبنك المركزي اللبناني عن التوافق بشأن الأرقام المرفوعة إلى صندوق النقد الدولي أو التوصّل الى خطة لإنعاش البلاد. وقد فشل لبنان في إجراء الإصلاحات الاقتصادية وكبح الفساد، بالإضافة إلى التخلف عن السداد، مما دفع بالمقرضين الدوليين الى الحدّ من دعمهم له ولا تزال خطة التعافي تفتقر الى التمويل بشكل كبير. وبالإضافة إلى ضرورة إيجاد طريقة للمضي قدمًا مع صندوق النقد الدولي، يتعيّن على لبنان التفاوض مع المقرضين الدوليين لإعادة هيكلة الديون الحالية بعد التخلف عن السداد في آذار/ مارس.

وفيما كان يتخبّط السكان لمواجهة الانهيار الاقتصادي وفشل الحكومة في الاستجابة للجائحة، وقع انفجار كارثي في مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس فدمّر المنطقة المحيطة به. وتحوّلت المنازل والشقق والمتاجر والمكاتب والمستشفيات إلى أنقاض، ممّا أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصًا وإصابة ستة آلاف آخرين وتشريد أكثر من 300 ألف شخص.  

وفي 10 آب/ أغسطس، فرض رئيس مجلس النواب على الحكومة الاستقالة بعد أن حاول رئيس الوزراء اقتراح تنظيم انتخابات مبكرة. وبعد فترة وجيزة، سمي مصطفى أديب رئيساً جديداً للحكومة لتأليف حكومة اختصاصيين لكنه اعتذر عن مهمة التشكيل في أيلول/ سبتمبر بعد أن فشل في كسب التأييد اللازم للتشكيلة الوزارية المقترحة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، اختار البرلمان اللبناني سعد الحريري لرئاسة الوزراء مرة أخرى، مع العلم أنه شغل هذا المنصب لولايتين في السابق قبل أن يُضطرّ للاستقالة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 أمام الاحتجاجات الشعبية الضخمة على الوضع الاقتصادي في لبنان. وحتى الآن، لم يتمكّن من تشكيل حكومة جديدة.

وسط هذه التطورات السياسية، ارتفعت حالات الإصابة بفيروس كورونا بشكل كبير مصحوبة بعدم قدرة الحكومة على فرض الإغلاق. وقد حاولت تنفيذ إغلاق لمدة أسبوعين في نهاية تموز/ يوليو، وآخر في الأسابيع التي تلت انفجار ميناء بيروت، ومجدداً في تشرين الثاني/ نوفمبر،ومرة اخرى في بداية السنة الجديدة لكن لم تشهد أي من هذه الحالات صرامة في التطبيق وبقية الحالات تتزايد واصبحت المستشفيات غير قادرة على استيعاب المصابين.

ولم يُبدِ المجتمع الدولي الذي قدّم بعض الدعم للتصدّي لتأثير انفجار المرفأ أي رغبة فعلية في تقديم مساعدة أخرى للبنان قبل أن تُجري الحكومة إصلاحات اقتصادية ملحوظة. غير أن الطبقة السياسية لم تُظهر أي بوادر عن التزامها بهذا الشرط. 

2. التأثير على قطاع النفط والغاز

في أول بئر استكشافي للنفط والغاز في لبنان، والمعروف باسم بيبلوس -1، في المربّع 4 البحري. بل على العكس من ذلك، أعفت الحكومة الشركة المشغّلة، توتال، من الالتزام بإجراءات الإغلاق، وسمحت بمواصلة العمل مع اتخاذ السلطات المحلية إجراءات لمنع انتشار الفيروس في سفينة الحفر. وفي 27 نيسان/ أبريل، أكد وزير الطاقة أنه لم يتم العثور على غاز تجاري في بئر المربّع 4. وبعدما كان يتوجب على توتال تقديم الدراسة التحليلية النهائية الى الحكومة اللبنانية بعد شهرين من انتهاء الحفر،قامت اخيرًا الشركة بتقديم الدراسة في اوائل شهر تشرين الثاني/نوفمبر. كان من المتوقع أن تقوم توتال بحفر بئر استكشافي في المربّع البحري 9، في منطقة جنوب بيروت، قبل شهر أيار/ مايو 2021. وقد واصلت الشركة العمل على تقييم الأثر البيئي في المربّع 9 على الرغم من القيود المستمرة على التنقّل نتيجة الجائحة في البلاد. ويشترط القانون اللبناني على الشركة إجراء استشارات عامة في المناطق ذات الصلة كجزء من عملية تقييم الأثر البيئي. وتدرس توتال مسألة إجراء مشاورات عبر الإنترنت، لكن ليس واضحاً ما إذا كان سيوافق أصحاب المصلحة على ذلك.الا ان في كانون الثاني/يناير 2021 صدر بيان من وزارة الطاقة تؤكد استمرار الاعمال في المربعين 4 و 9 في 2021، ومدت مدة الاستكشاف الاولى في كل من المربعيين 4 و9 الى 13 اب 2022، مما يعني ان لدى توتال الوقت حتى السنة المقبلة لحفر بئر استكشافي في المربع 9.

وتصطدم عملية التنقيب في المربّع 9 بتحديات أخرى، حيث أن نسبة ثمانية في المئة من المربّع هي موضع نزاع بين لبنان وإسرائيل على الحدود البحرية. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ لبنان وإسرائيل محادثات تهدف إلى حل الخلافات الحدودية. ولم يتم التوصّل إلى نتيجة حتى الان. ولا بدّ من الإشارة الى أن توتال وشركاءها (إيني ونوفاتك) كانوا على علم بالنزاع عندما وقّعوا اتفاقيات التنقيب مع لبنان.

:

في 31 أيار/ مايو، أجّلت وزارة الطاقة جولة التراخيص الثانية في لبنان للمرة الثالثة، متحجّجة بانخفاض أسعار النفط وجائحة كوفيد - 19. ولم تعطِ الوزارة مهلة جديدة (كما فعلت مع الإعلانين السابقين عن حصول تأخير) لكنها قالت إنها تتوقع استكمال جولة الترخيص الثانية قبل نهاية عام 2021.

لكن، حتى بغياب جائحة كوفيد - 19 وانخفاض أسعار النفط، من غير المرجح أن يحصل لبنان على صفقات جيدة من المستثمرين الدوليين بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والمالية السيئة في البلاد. وقد علم معهد إدارة الموارد الطبيعية أن هيئة إدارة قطاع النفط اللبنانية تقوم حالياً بمراجعة بروتوكولات وأنظمة المناقصات في البلاد بناءً على واقع السوق الجديد وستقترح تعديلات تهدف إلى دعم الاستثمار في المستقبل.

3. التأثير على إدارة الموارد الطبيعية نظراً للوضع الاقتصادي السيئ، لن تحظى مسألة إدارة قطاع النفط والغاز باهتمام كبير لاسيما أن تركيز الجهود هو على تداعيات انفجار بيروت والوضع السياسي العام. ومع تأجيل جولة التراخيص الثانية، قد ينظر لبنان في فكرة إنشاء شركة نفط وطنية لتعزيز تنمية النفط والغاز بغض النظر عن الظروف الاقتصادية العالمية. ولا بدّ من أن تكون منظمات المجتمع المدني العاملة في قطاع الصناعات الاستخراجية يقظة بشأن مخاطر قيام السلطات باتخاذ قرارات سيئة، ويجب أن تكون مستعدة لمناقشات متجددة حول إنشاء شركة نفط وطنية مع ما تحمله هذه الخطوة من تحديات.

   تقوم المنظمة غير الحكومية الدولية "أنشر ما تدفع" بقيادة "مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية" في لبنان. لكن تكمن المشكلة في التقدم البطيء على صعيد هذه المبادرة، فضلاً عن عدم تنفيذالخطوات الأساسية، مثل انتخاب ممثلي منظمات المجتمع المدني للانضمام الى مجموعة أصحاب المصلحة المتعددين. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الأزمة الاقتصادية التي فاقمتها جائحة كوفيد - 19. فضلاً عن ذلك، تراجع زخم "مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية" بعد النتائج السلبية في المربّع 4ومع تراجع اي اعمال تذكر في هذا القطاع في 2021.

4. التطلّع إلى الأمام لا تزال آفاق قطاع النفط والغاز في لبنان غامضة، مع النتائج السلبية لعملية الحفر في المربّع 4 فضلاً عن تأجيل الحكومة لجولة التراخيص الثانية. علاوة على ذلك، إذا تسبّبت الجائحة بتأخير كبير في الحفر في المربّع 9، وبقيت الأزمة الاقتصادية والسياسية على حالها، قد يتراجع المستثمرون ولن يتبلور أي مستقبل للنفط والغاز في لبنان في المدى القريب. ستؤدي الجائحة أقلّه إلى تأخير عمليات التنقيب الجديدة أو حصول المزيد منها. وإذا لم يتمكن لبنان وإسرائيل من التوصل إلى اتفاق بشأن المناطق البحرية المتنازع عليها، سيعاني البلدان معاً من تداعيات عدم استغلال المربّعات النفطية. ويمكن لإسرائيل الاعتراض على أي عمل في المربع 9، لكن يمكن للبنان أن يعترض وبالمثل على أي أعمال تنقيب في "كاريش"، وهو مربّع إسرائيلي يطالب به لبنان باعتباره حقاً له. أما الخيارات المتاحة في حال لم تُسفر المحادثات الحالية عن حل، فهي متابعة التحكيم الدولي أو إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية أو إلى المحكمة الخاصة التي أنشأها قانون الأمم المتحدة للبحار. وفي غياب حلّ للنزاع متفق عليه أو قابل للتنفيذ، سيتحوّل الصراع بين البلدين الى مخاطرة كبيرة.

في هذا السياق الاقتصادي والسياسي المشحون بالتحديات، يجب على السلطات اللبنانية أن تنظر بجدية في استراتيجية الطاقة في البلاد، لاسيما أنّ الاعتماد على الفيول زالديزل لإنتاج الكهرباء ليس مستدامًا بالنسبة الى لبنان، إذ يتسبب السعر المرتفع الذي يدفعه لبنان مقابل الوقود في عجز كبير في الموازنة. أما البديل فهو الغاز والطاقة المتجددة. إلا أنّه لم يتم اكتشاف أي غاز "محلي" في الحقول اللبنانية، والغاز المستورد يحتاج إلى محطات طاقة لا تزال غير شغّالة. وفي الوقت نفسه، يفتقر قطاع الطاقة المتجددة حتى الآن إلى الزخم اللازم ويواجه مشكلات تتعلق بالحوكمة، وبخاصةٍ من ناحية التراخيص. ولتجنّب المخاطر التي ينطوي عليها مستقبل قائم على الوقود الأحفوري، يجب على الحكومة اللبنانية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني التركيز على تمكين الإصلاحات القانونية في قطاع الطاقة المتجددة لتسريع عملية تطويره.

Authors

Related content