Image placeholder

تونس: التقييم المحيّن لتأثير جائحة كورونا على القطاع الاستخراجي وحوكمة الموارد

English »

الرسائل الرئيسية

تستورد تونس من الخارج غالبية احتياجاتها من الطاقة. وقد استغلت الحكومة أسعار الوقود المنخفضة حالياً لرفع الدعم عن الوقود.

 

  • تستورد تونس من الخارج غالبية احتياجاتها من الطاقة. وقد استغلت الحكومة أسعار الوقود المنخفضة حالياً لرفع الدعم عن الوقود.
  • من المستبعد أن تتوقف تونس عن الاعتماد على الطاقة على الرغم من الاهتمام الذي تبديه السلطات باستخراج الغاز الصخري. ففي ظلّ جائحة كورونا، توقف العمل على مشاريع الطاقة المتجددة التي تأمل الحكومة أن تساهم في إنتاج 30 في المئة من الكهرباء.
  • تهدد الاحتجاجات المتزايدة في المناطق الغنية بالنفط والغاز والمعادن الاستقرار الاجتماعي والسياسي في تونس.
  • تبرز حاجة ملحة إلى إجراء إصلاحات واسعة على مستوى المؤسسات الرئيسية المملوكة للدولة العاملة في القطاع الاستخراجي.

موجز الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا

قبل تفشي جائحة كورونا، كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد التونسي بنسبة تتخطى الاثنين في المئة في العام 2020. وفي حزيران/يونيو، توقّع البنك الدولي انكماش الاقتصاد التونسي بنسبة أربعة في المئة هذا العام. وبحلول تشرين الأول/أكتوبر، توقع صندوق النقد الدولي انكماشاً اقتصادياً بنسبة سبعة في المئة. فقد أدى تراجع القطاع السياحي والآثار الناجمة عن إجراءات الإغلاق في البلاد إلى انخفاض النشاط الاقتصادي غير النظامي الذي يستوعب أكثر من 30 في المئة من العمالة في تونس. وفي الربع الثاني من العام، شهد قطاع الفنادق والمطاعم انكماشاَ قاربت نسبته 77 في المئة، بحسب المعهد الوطني للإحصاء. وفي تشرين الأول/أكتوبر، فرضت الحكومة تدابير جديدة شملت حظر التجول ليلاً ومنع الفعاليات العامة، في محاولةٍ منها لمكافحة تفشي الفيروس. ومما لا شك فيه أن هذه التدابير ستلقي بثقلها على قطاعي السياحة والخدمات.

وفي نيسان/أبريل، قدّم صندوق النقد الدولي، بموجب أداة التمويل السريع الخاصة به، قرضاً طارئاً إلى تونس قدره 745 مليون دولار أميركي من أجل مساعدة السلطات على التعامل مع آثار جائحة كورونا. وفي حزيران/يونيو، وافق البنك الدولي على دعم الموازنة التونسية بمبلغ 175 مليون دولار في إطار العملية الطارئة لأغراض سياسات التنمية لدعم الصمود والتعافي، من أجل التخفيف من حدة آثار الجائحة. وتواجه الحكومة صعوبات في الحصول على قروض من مصادر أخرى نظراً إلى ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها (يقدَّر أن تبلغ هذه النسبة 90 في المئة بحلول نهاية العام 2020). وتستمر تونس في تسديد ديونها للحفاظ على مصداقيتها الدولية وضمان حصولها على التمويل في المستقبل. وتطلب الحكومة من المواطنين والشركات التبرّع لدعم الاستجابة الوطنية في قطاع الصحة، وفرضت أيضاَ اقتطاعاً إلزامياً من رواتب موظفي القطاع العام لأغراض التبرع. وقد أثار هذه الموضوع الجدل وهو يشكل خطراً على الاستقرار الاجتماعي في تونس.

وفي تموز/يوليو، قدّم رئيس الحكومة الياس الفخفاخ استقالته على خلفية اتهامات في ملفّ تضارب مصالح، فشهدت البلاد اضطرابات سياسية إلى جانب مشاكلها الاقتصادية. ووافق البرلمان في أيلول/سبتمبر على منح الثقة لحكومة جديدة. وفي شباط/فبراير، انطلق الإنتاج في حقل نوارة للغاز الذي اقترضت له المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (ETAP) 75 مليون دولار أميركي من البنك الأفريقي للتنمية. لكنّ الإنتاج تراجع بسبب القيود المفروضة على حركة التنقل نتيجةً لجائحة كورونا. وفي آب/أغسطس 2020، أعلنت المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية تراجع الإنتاج النفطي الشهري بنسبة 24 في المئة مقارنةً بالشهر نفسه من العام 2019. وبحسب الصفحة الرسمية لوزارة الطاقة والمناجم على "فيسبوك"، بلغ حجم الإنتاج النفطي في آذار/مارس (قبل اتخاذ إجراءات الإغلاق) 40 ألف برميل يومياً. وبعد فرض قيود على حركة التنقل في آذار/مارس واندلاع الاحتجاجات في تطاوين في تموز/يوليو، انخفض الإنتاج النفطي إلى أدنى مستوياته في تاريخ البلاد فبلغ أقل من 25 ألف برميل يومياً في أواخر آب/أغسطس.

وتواجه المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية تحديات مالية كبيرة تفاقمت بسبب الآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا. وفي الربع الأخير من العام 2019، وجدت المؤسسة نفسها عاجزة عن تسديد الضرائب لوزارة المالية وقد توقفت عن تسديدها مذاك الوقت، ما دفع وزارة المالية إلى مصادرة الحسابات المصرفية التابعة للمؤسسة في أيلول/سبتمبر 2020. فطلبت المؤسسة من وزارة المالية، بدعم من وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، إعادة جدولة ديونها الضريبية التي تتخطى قيمتها 30 مليون دينار تونسي (ما يعادل 10 ملايين دولار أميركي). وقد يؤدي هذا الوضع إلى عجز المؤسسة عن دفع مرتبات موظفيها في الأشهر المقبلة. وتواجه سلسلة إنتاج الطاقة في تونس تحديات أخرى في ظل عجز الشركة التونسية لصناعات التكرير والشركة التونسية للكهرباء والغاز عن دفع تكاليف النفط والغاز لمؤسسة ETAP بسبب التحديات المالية التي تواجهانها.

ولهذه المشاكل المالية تشعبات أوسع نطاقاً. ففي العام 2017، وبعد احتجاجات نظّمها عدد من الناشطين المحليين في تطاوين حيث تجري أنشطة الإنتاج النفطي لمؤسسة ETAP، تعهدت الحكومة وETAP وشركات النفط بمعالجة شكاوى المجتمعات المحلية واتفقت على استثمار أكثر من 80 مليون دينار تونسي (26 مليون دولار) في ولاية تطاوين، وأخذت ETAP على عاتقها توظيف أكثر من 1500 شخص في الولاية. وعلى الرغم من عدم تطبيق هذا الاتفاق بالكامل، انحسرت الاحتجاجات إلى حين تفشي جائحة كورونا. فمع تباطؤ الإنتاج بسبب إجراءات الإغلاق وبالتالي تراجع الإيرادات، عجزت الحكومة وETAP وشركاؤها عن الوفاء بالتزامها تجاه المجتمعات المحلية. ونتيجة لذلك، اندلعت موجة ثانية من الاحتجاجات في تموز/يوليو 2020 فأعاقت الإنتاج في الولاية/المنطقة، خصوصاً مع قيام المحتجين بإغلاق الصمام الرئيسي لتوزيع النفط.

وقد نجحت الحكومة في توقيع صفقة مع المحتجين في تاطوين في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، فاستأنف إننتاج النفط والغاز. لكن الاحتجاجات امتدت إلى مناطق مهمشة أخرى، منها مناطق منتجة للموارد الطبيعية. ويطالب المحتجون باتباع النهج نفسه المعتمد في تاطوين، خصوصاً في ما يتعلق بحلول التوظيف.

إدخال الرسم البياني: تراجع إنتاج النفط والغاز بعد احتاجات تاطوين في تموز/يوليو 2020

المصدر: وزارة الصناعة والطاقة والمناجم

آثار الجائحة على قطاع التعدين

كان قطاع التعدين يواجه تحديات كبيرة قبل تفشي جائحة كورونا. فقد شهدت أنشطة استخراج الفوسفات تراجعاً بسبب الاحتجاجات الاجتماعية في المناطق المنتِجة والتي ركزت على الآثار البيئية ومطالب التوظيف. لقد اندلعت هذه الاحتجاجات في العام 2018 وازدادت حدتها بعد الانتفاضة السياسية في تونس والمنطقة بأسرها في العام 2011.

وأدت جائحة كورونا إلى تفاقم التحديات الاجتماعية التي يواجهها قطاع التعدين، خصوصاً في الحوض المنجمي للفوسفات في قفصة. فاعتماد هذه المنطقة على قطاع الفوسفات كالمصدر الرئيسي للوظائف يجعلها عرضة للتأثر الشديد بأيّ تراجع كبير للإنتاج، علماً أن الإنتاج قد تباطأ بالفعل بسبب جائحة كورونا. ووفقاً للرئيس التنفيذي لشركة فوسفات قفصة المملوكة للدولة، كان من المتوقع قبل تفشي الجائحة أن يبلغ حجم الإنتاج 5.5 ملايين طن في العام 2020، إلا أن الإنتاج لن يتخطى 4.5 ملايين طن لأن 30 في المئة فقط من الموظفين تمكنوا من العمل خلال تطبيق إجراءات الإغلاق في تونس بين آذار/مارس وأيار/مايو. لكن هذه التوقعات تُعتبر تفاؤلية بما أن إنتاج الفوسفات كاد أن يتوقف بالكامل في تموز/يوليو بسبب احتجاجات الباحثين عن عمل. وقد عجزت شركة فوسفات قفصة عن إنتاج أكثر من 36 ألف طن في ذلك الشهر، ما أدى إلى تفاقم الصعوبات المالية التي تواجهها. ويقال إن الشركة معرضة لخطر الإفلاس.

وفي تموز/يوليو، قال مسؤول من وزارة الطاقة والصناعة والمناجم التونسية، تعليقاً على الاحتجاجات والصعوبات المالية، إن شركة فوسفات قفصة قد تعجز عن مدّ السوق المحلية بالمدخلات اللازمة للموسم الزراعي المقبل وعن دفع مرتبات موظفيها والوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها. وفي سبتمبر/أيلول، وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، قررت تونس استيراد الفوسفات من الخارج – أي من الجزائر – لتلبية الطلب المحلي على الأسمدة.

أثر الجائحة على الإيرادات

لا يعتمد الاقتصاد التونسي على الموارد الطبيعية. لكن تراجع الإيرادات من القطاع الاستخراجي سيزيد من التحديات الاقتصادية التي يُحتمل أن تواجهها البلاد بسبب تأثير جائحة كورونا على السياحة والقطاع غير النظامي الذي يعتمد عليه الكثير من التونسيين لتأمين لقمة العيش.

تستورد تونس من الخارج 75 في المئة من احتياجاتها من الطاقة، ما يؤثر سلباً على ميزانها التجاري. وفي نيسان/أبريل، انتهزت الحكومة فرصة انخفاض أسعار النفط لرفع الدعم عن الوقود. وبما أن رفع الدعم تزامن مع انخفاض أسعار النفط، لم يشهد التونسيون ارتفاعاً حاداً في تكلفة الوقود، لكن الوضع سيختلف إذا ارتفعت أسعار النفط من جديد. وردّاً على الاحتجاجات التي تلت قرار رفع الدعم، كرّرت الحكومة عزمها على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة من خلال إعادة النظر في أجزاء من الإطار القانوني للنفط والغاز وتقديم حوافز لتشجيع المستثمرين في النفط والغاز من القطاع الخاص على العمل في تونس. فالنظام المالي التونسي الخاص بالمحروقات، أي النفط والغاز والفحم، لا يجذب المستثمرين.

وأعلنت الحكومة أيضاً أنها ستعتمد إطاراً قانونياً جديداً لقطاع المحروقات غير التقليدية (خصوصاً الغاز الصخري). لكن، وعلى الرغم من إبداء المستثمرين في السابق بعض الاهتمام بالغاز الصخري في تونس، قد لا يكون الإطار القانوني كافياً لتحفيز الاستثمارات نظراً إلى الاضطرابات الاقتصادية الحالية وأسعار الغاز المنخفضة واضطرار المستثمرين إلى خفض نفقاتهم.

لقد تعهدت تونس بإنتاج 30 في المئة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030، لكن جائحة كورونا أدت إلى توقف مشاريع الطاقة المتجددة. وأعرب مسؤولون حكوميون عن تخوفهم من عدم القدرة على تحقيق هذا الهدف ضمن الإطار الزمني المحدد.

تأثير الجائحة على حوكمة الموارد الطبيعية

لم تشهد تونس حتى الآن تراجعاً في مستوى الشفافية خلال جائحة كورونا، بل بادرت وزارة الطاقة والمناجم إلى الإفصاح عن معلومات عبر صفتحها على "فيسبوك" حيث نشر المسؤولون آخر التطورات في بعض القضايا، كإنتاج الوقود وسعره، ولا سيما مستوى الدعم. وفي خطوة غير مسبوقة على صعيد الشفافية والحوكمة، أعلنت الحكومة في أيار/مايو عن إجراء تدقيق عامّ تشاركي في قطاع المحروقات يشمل ممثّلين عن المجتمع المدني إلى جانب هيئات التدقيق الرسمية. وفي وقت كتابة هذا التقرير، كانت عملية التدقيق جارية على قدم وساق، على أن يتمّ نشر تقرير عن الموضوع بعد الانتهاء منها. لكنها شهدت تباطؤاً بسبب التعديل الوزاري الأخير والموجة الثانية من جائحة كورونا. ويركّز المدققون بشكل خاص على العقود الموقّعة والتراخيص الممنوحة.

إضافةً إلى ذلك، تستعد تونس للانضمام إلى مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية، لكنها علّقت أنشطتها على هذا الصعيد في النصف الأول من السنة بسبب استحالة عقد اجتماعات مجموعة أصحاب المصلحة المتعددين نتيجةً لإجراءات الإغلاق وتقييد حركة التنقل. وقد عقدت المجموعة بُعيد انتهاء فترة الإغلاق في مطلع تموز/يوليو اجتماعاً شارك فيه ممثلون حكوميون رفيعو المستوى. وتعهدت الحكومة وأعضاء آخرون من مجموعة أصحاب المصلحة المتعددين بتقديم طلب تونس إلى الأمانة الدولية لمبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية قبل نهاية هذه السنة.

وفي ما يتعلق بالقضايا الأخرى لحوكمة الموارد، طلبت الشركات العاملة في القطاع الاستخراجي من الحكومة تمديد مدة تصاريح الاستكشاف مراعاةً للظروف التي تحول دون عمل هذه الشركات خلال فترة الإغلاق. وطلبت هذه الشركات أيضاً من الحكومة خفض المبلغ المطلوب كضمان مصرفي (تطلب الحكومة ضمانات مصرفية من الشركات لحثّها على الوفاء بالتزاماتها). وقد صرّحت مصادر حكومية لمعهد حوكمة الموارد الطبيعية أن الحكومة رفضت طلب الشركات.

نظرة مستقبلية

سلّطت جائحة كورونا الضوء على قطاع الطاقة لأنها ألقت بثقلها على القطاع الاستخراجي وعلى سياسات قطاع الطاقة ودعم الوقود في تونس. ومن المستبعد أن تشهد البلاد الاستثمارات الإضافية المأمولة في مجال النفط والغاز نظراً إلى أسعار النفط والغاز العالمية المتدنية وتأثيرها غير المباشر على قرارات المستثمرين وأرباحهم (يضاف إلى ذلك انعكاسات النظام المالي للنفط والغاز في تونس). وستشكّل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وشركة فوسفات قفصة عوامل حاسمة تحدد مصير القطاع الاستخراجي التونسي في السنة المقبلة. فإذا عجزت شركة فوسفات قفصة عن تلبية التوقعات الاجتماعية بصفتها جهة التوظيف الأولى في قفصة، ستستمر الاحتجاجات على الأرجح وسيستمر معها تراجع الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، ستخسر تونس مصدراً من مصادر العملة الأجنبية بما أن صادرات الفوسفات شكّلت 3,7 في المئة من مجموع الصادرات في العام 2019. وسيؤدي تراجع أنشطة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بسبب نقص الموارد المالية إلى تداعيات كبيرة على عجز الطاقة في تونس.

وتبدو الاستراتيجية الوطنية الهادفة إلى استخراج النفط والغاز الصخري محفوفة بالمخاطر نظراً إلى عدم اهتمام المستثمرين على الأرجح والمخاوف البيئية التي عبّر عنها الكثيرون في تونس. وفي ضوء التحديات التي تعيق مساعي استخراج الغاز الصخري، يتعين على الحكومة مضاعفة جهودها لبلوغ هدفها في مجال الطاقة المتجددة للعام 2030.

لقد آن الأوان لتقوم تونس بمراجعة استراتيجية الطاقة ودراسة إمكانية التوقف عن التركيز على المحروقات في إنتاج الطاقة المحلي. وينبغي أن تشمل جهودها في هذا الإطار مراجعة واضحة لقيمة مؤسسة ETAP ودورها.

وسام هاني هو مدير مكتب معهد حوكمة الموارد الطبيعية في تونس.

Authors