Image placeholder

لعنة الفسفاط على نساء قفصة

English »

لطالما شكل إنتاج الفسفاط ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد التونسي – إذ يستخدم صخر الفسفاط على المستوى المحلي لإنتاج الأسمدة و الحامض الفسفوري كما يساهم بشكل كبير في حجم الصادرات التونسية - لكن رغم أهمية قطاع المناجم, لاتزال المناطق الغنية باحتياطي الفسفاط من أكثر المناطق تهميشا في تونس. يعتبر الكثير من المواطنين في هذه المناطق أن سياسات وبرامج التنمية المحلية لا تستجيب لتطلعات وحاجيات المنطقة وسكانها .

وقد إنتفض سكان المنطقة المنتجة للفسفاط بقفصة سنة 2008 ضد التهميش وضيق سبل العيش و شملت الإنتفاضة مناطق الرديف وأم العرائس والمتلوي والمظيلة. فتمت مواجهة الاحتجاجات بالقمع من جانب الحكومة. تسببت الاضطرابات فيما بعد في تعطيل إنتاج الفسفاط و لاتزال المنطقة تشهد إحتجاجات متواصلة وذلك لعجز الحكومات المتعاقبة للوصول إلى حلول تستجيب لحاجيات المتساكنين وتطلعاتهم بعد حوالي عقد من الزمن حول العديد من القضايا التي حركت الاضطرابات الأولى, كالنسبة المتدنية للتشغيل و ضعف التنمية الجهوية و التأثيرالبيئي لإنتاج الفسفاط بالإضافة إلى التوزيع غير العادل لإيراداته. تعتبر تكلفة الاضطرابات هائلة، إذ تراجع إنتاج الفسفاط من 8 مليون طن سنة 2010 إلى 3.1 مليون طن سنة 2017. في حين يوجه المسؤولون الحكوميون اللوم إلى المتظاهرين و يحملونهم سبب تراجع نشاط شركة فسفاط قفصة لاتزال القضايا المتسببة في التوتروالإحتجاجات عالقة دون حلول جذرية و لاتزال منطقة قفصة تفتقرإلى العديد من الخدمات العمومية و البنى التحتية الأساسية, فضلا عن نسبة البطالة التي لاتزال الثانية على مستوى البلاد و وقد بلغت 28,2 %من النسبة الوطنية التي بلغت 15,6 % سنة 2016.

بينما لا تزال المشاكل المتعلقة بالموارد الطبيعية في قفصة دون معالجة من قبل صناع القرار و دون التغطية المرجوة من قبل الإعلام – مما أدى إلى إلى نقص الوعي الكافي لدى التونسيين بصفة عامة و برامج الدعم المحلي والدولي– فإن التأثيرات السلبية لإنتاج الفسفاط على النساء تعد أكثر تهميشا من ناحية التغطية الإعلامية. و في إطار سعينا إلى فهم تلك التأثيرات المتعلقة بالنساء بصفة خاصة ، قام معهد حوكمة الموارد الطبيعية بتنظيم اجتماع استشاري بالشراكة مع جمعية الحوض المنجمي للإستثمار والتنمية بأم العرائس مع ناشطات في المجتمع المدني في قفصة في 28 ديسمبر2017. وأهم المحاور التي تم التطرق إليهاخلال الورشة : التشغيل، الصحة و التلوث و البنية التحتية.

التشغيل

يعتبر غياب مواطن الشغل قضية أساسية لكل سكان قفصة . غير أن ذلك يؤثر بشكل غير متكافئ خاصة على النساء. حيث تبلغ نسبة البطالة لدى النساء الحاملات للشهادات العليا في منطقة قفصة 54 بالمائة في حين تبلغ 27 بالمائة لدى الرجال الحاملين لشهادات عليا. و يبرز هذا التفاوت بشكل واضح عندما يتعلق الأمر بنسبة النساء الموظفات في شركة الفسفاط بقفصة و في المؤسسات التابعة لها مقارنة بنسبة الرجال الموظفين في نفس الشركة و المؤسسات التابعة لها. بالإضافة إلى ذلك، تعمل أغلب النساء الموظفات من قبل الشركة في مجال التنظيف أو مهام لا تتطلب مستوى دراسي متقدم – على الرغم من النسبة العالية للنساء المتحصلات على شهادات جامعية من منطقة قفصة (تبلغ نسبة النساء المتحصلات على شهادات جامعية 47 بالمائة من بين مجموع النساء بالمنطقة).

الصحة

يخّلف إنتاج االفسفاط العديد من التأثيرات السلبية على صحة كل سكان منطقة قفصة و حسب آراء النشطاء فإن النساء تعانين بشكل أكبر من تلك التأثيرات إذ تعانين من نسبة مرتفعة من حالات الإجهاض بالإضافة إلى المشاكل التي يعانيها حديثو الولادة و التي لا يتم معالجتها بسبب نقص الخدمات اللازمة في المنطقة. ذكرت الناشطة نوارة بالضيف، رئيسة منظمة 'سند'، أن "7 بالمائة من الأطفال في منطقة المظيلة بالحوض المنجمي قد ولدوا حاملين لعيوب خلقية بسبب تعرض النساء إلى مادة الأورانيوم الموجودة في رواسب الفسفاط". كما ذكر المشاركون في الإستشارة العديد من التأثيرات النفسية السلبية الناجمة عن إنتاج الفسفاط. فعلى سبيل المثال، يتسبب تلوث الهواء الناجم عن إنتاج الفسفاط في أضرار ببشرة النساء و أسنانهن و شعرهن )مما يؤثر سلبا على نفسية الكثير من نساء الجهة )

التلوث و البنية التحتية

يتسبب إنتاج الفسفاط في ارتفاع نسبة الغبار و التلوث في الهواء. و تقع مسؤولية التنظيف و إزالة الغبار على عاتق النساء في أغلب الأسر في قفصة و يزيد غبار و وسخ الفسفاط من مشقة ذلك العمل الروتيني الذي تقوم به النساء حيث تضطر النساء إلى إمضاء الكثير من الوقت و بذل الجهد و وصرف المال على التنظيف عوضا عن إمضاء ذلك الوقت و الجهد في الترفيه و التعليم و في مساعي أخرى. فضلا عن ذلك، فقد أصبح التنظيف أكثر صعوبة بسبب نقص المياه الذي يعتبر نتيجة مباشرة لإنتاج الفسفاط وذلك لما يستهلكه من ثروات مائية ضخمة. ذكرت الناشطة و المناصرة لحقوق الإنسان، منانة زيتوني، أن المياه "شحيحة و غير صالحة للشرب و ذات جودة سيئة للغاية."

تمحورت المخرجات الأساسية للإجتماع حول محورين رئيسيين سيتم العمل عليهما.

تمكين المجتمع المدني المحلي حتى يضطلع بدور أكبرفي نشر الوعي والمناصرة من أجل تحسين وضعية المرأة بالجهة وتشريكه في صنع القرار

يجب على الجهات الفاعلة في المجتمع المدني المحلي أن توحد جهودها حتى تتمكن من تقديم مجموعة من المطالب الموحدة من أجل تشريكهم في عملية صنع القرار فيما يتعلق بالتأثيرات السلبية للفسفاط.حيث شهدت المنطقة تشتت الجهود الساعية إلى تحسين ظروف الجهة وربطها بالتأثيرات السلبية والدور السلبي الذي يلعبه إنتاج الفسفاط في حياة المتساكنين و خاصة المرأة . كما شهد المجتمع المدني قطيعة و إقصاء في صناعة القرار و في تقديم مقترحات تهم سياسات التنمية المحلية والتي تشمل كذلك أقصائهم من قرارات التنمية التي تتخدها شركة فسفاط قفصة في برنامج المسؤولية المجتمعية للشركة بالجهة.

دعم المناصرة القائمة على الأدلة العلمية والموثقة من خلال دراسات وبحوث حول التأثيرات البيئية و الإجتماعية للفسفاط في المنطقة

لا يمكن لجهود الجهات الممثلة للمجتمع المدني أن تكون فعالة في التأثير على مسار صنع القرار إلا إذا ما اعتمدت على معلومات قائمة على الأدلة حول تأثيرات الفسفاط فعلى الرغم من كثرة ا الوقائع التي يسردها السكان المتضررون , إلا أن هناك نقص كبير في الدراسات الدقيقة التي تربط تعدين الفسفاط بشكل محدد بمختلف المشاكل المؤثرة على مواطني منطقة قفصة. وكخطوة أولى يدعم معهد حوكمة الموارد الطبيعية دراسة حول التأثيرات البيئية لإنتاج الفسفاط ستقودها جمعية الحوض المنجمي للأستثمار والتنمية . و سوف تجمع الدراسة و بيانات حول مختلف التأثيرات الصحية و البيئية لإستخراج الفسفاط كما ستسعى إلى تنظيم نقاش عام حول أدوار الجهات الحكومية الفاعلة و الجهات الأخرى ذات الصلة في التخفيف من الأضرار الناجمة عن إنتاج الفسفاط و إمكانية تقديم تعويضات للمتضررين.

ويعتبر السيد توفيق عين رئيس الجمعية أن الورشة كان متميزة حيث ناقشت لأول مرة علاقة المرأة بجهة قفصة باستخراج الفسفاط والمشاكل التي تعاني منها . وفي إطار مواصلة هذا العمل يتنزل مشروع تأثير إستخراج الفسفاط على سكان المنطقة والقطاع الفلاحي وخاصة الثروة المائية بالجهة ليكون بادرة أولى لتحسين الوضع.

حنان كسكاس هي منسقة البرامج الإقليمية لمعهد حوكمة الموارد الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا. وئام مالكي هي منسقة برنامج معهد حوكمة الموارد الطبيعية بتونس.

Authors