Image placeholder

التقييم الأوّلي لتأثير جائحة فيروس كورونا على القطاع الاستخراجي وقضايا إدارة الموارد بتونس

English »

هذه واحدة من  سلسلة الإحاطات القُطرية التي أعدها معهد حوكمة الموارد الطبيعية (NRGI) لتلخيص الوضع المتطور بشأن وباء كورونا وآثاره الاقتصادية. يخضع التحليل الذي تتضمنه هذه السلسلة للتغيّرات في الأوضاع، وقد يجري تحديثه في الوقت الملائم.

الرسائل الرئيسية

  • أغلب احتياطيات تونس من النفط والغاز غير قابلة للاستغلال تجارياً في ظل أسعار النفط الحالية، حيث إن تكلفة الإنتاج أعلى بكثير من الأسعار. وقد أدى ذلك إلى تباطؤ العمليات وتعطيل المفاوضات بشأن الصفقات المستقبلية.
  • قد يؤدي الاعتماد على استخراج الفوسفات إلى نقص الإيرادات في المناطق المنتِجة في تونس، وإلى تفاقم التوترات حول الآثار الاجتماعية والبيئية للتعدين في تلك المناطق. 
  • تستورد تونس غالبية احتياجاتها من الطاقة من الخارج. انتهزت الحكومة فرصة انخفاض أسعار الوقود حالياً لسحب دعم الوقود في البلاد. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تنتج تونس موارد كافية لتحقيق استقلالها في مجال الطاقة، وذلك رغم اهتمامها بالسعي لاستغلال الغاز الصخري. وقد تعطلت مشاريعها للطاقة المتجددة التي كان من المؤمّل أن تنتج 30% من احتياجاتها من الكهرباء.
  • لا تزال حوكمة القطاع الاستخراجي في تونس سليمة، وقد أبدى الوزير الجديد للطاقة والمناجم والانتقال الطاقي التزامًا بالشفافية. 

موجز بالآثار الاقتصادية لوباء فيروس كورونا

في أبريل، توقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 4% في عام 2020. قبل الوباء، كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بأكثر من 2%. استندت التوقعات بانكماش اقتصادي بنسبة 4% إلى افتراضات شملت فرض إجراءات للتباعد الاجتماعي وقيودٍ على السفر لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، ما يؤدي إلى انكماش كبير في قطاع السياحة. انخفضت العائدات الشهرية  للسياحة في تونس بنسبة 30% في مارس 2020 مقارنةً بمارس 2019. أدى الانخفاض في السياحة وكذلك إجراءات الإغلاق الوطنية إلى الحد من النشاط الاقتصادي غير الرسمي الذي يستوعب أكثر من 30% من العمالة في تونس. 

في أبريل، تلقت تونس 745 مليون دولار أمريكي من تمويل الطوارئ في إطار آلية التمويل السريع التابعة لصندوق النقد الدولي لمساعدة السلطات على التعامل مع جائحة فيروس كورونا. لن يكون بوسع الحكومة طلب القروض من أي مصدر آخر لأن تونس لديها بالفعل نسبة عالية للدّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي (تتجاوز 80%). تواصل تونس سداد ديونها للحفاظ على مصداقيتها الدولية وضمان الحصول على تمويل في المستقبل. تطلب الدولة من المواطنين والشركات التبرع لدعم الاستجابة الوطنية في قطاع الصحة، كما فرضت "تبرعاً" إلزاميًا من خلال الخصم من مرتبات موظفي الخدمة المدنية. كان هذا أمراً مثيرًا للجدل للغاية، وشكّل تهديداً للاستقرار الاجتماعي في تونس.

التأثير على قطاع النفط والغاز

بحسب مسؤولين في وزارة الطاقة والمناجم، فإن 70% من امتيازات النفط والغاز الحالية في تونس ليست مُجدية اقتصاديًا في ظل أسعار النفط الحالية. واصلت حقول النفط والغاز الحالية الإنتاج، ولكنها خفّضت إنتاجها بسبب الانخفاض العالمي في أسعار النفط. بالنسبة للعمليات البحرية للنفط والغاز، تتجاوز تكلفة الإنتاج السعر الحالي للبرميل بكثير (تتراوح تكلفة الإنتاج للحقول البحرية بين 80 و 100 دولار أمريكي للبرميل). لن تبدأ حقول النفط والغاز الجديدة المخطط لها في الإنتاج لأنها غير مُجدية اقتصاديًا بالأسعار الحالية. لقد أوقف المستثمرون المحتمَلون المفاوضات، ولكنهم قد يستأنفونها في المستقبل إذا زادت الأسعار.

تُعدّ شركة النفط الوطنية التونسية (ETAP) لاعباً رئيسياً في قطاع الطاقة في البلاد. تُسهم الشركة في إنتاج 80% من النفط و 70% من الغاز، سواءً كشريك من خلال مشروع مشترك (نظام المشاركة) أو كصاحبة الرخصة (نظام مقاسمة الإنتاج). تفتقر الشركة إلى القدرات الفنية والمالية للعمل بمفردها، ومن المرجح أن تعيد الآثار الاقتصادية لوباء فيروس كورونا فتح النقاش حول دور شركة النفط الوطنية في السياق التونسي. بدأ حقل غاز نوارة، الذي اقترضت له شركة ETAP 75 مليون دولار أمريكي من بنك التنمية الأفريقي، الإنتاج في فبراير 2020. ومع ذلك، ستنخفض سرعة الإنتاج  بسبب القيود المفروضة على حركة الناس بسبب وباء فيروس كورونا.

التأثير على قطاع التعدين

كان قطاع التعدين يواجه تحديات كبيرة حتى قبل تفشي جائحة فيروس كورونا. كان استخراج الفوسفات ينخفض بسبب الاحتجاجات الاجتماعية في المناطق المنتِجة حول تأثير التعدين على البيئة والطلب على العمالة. بدأت هذه الاحتجاجات في عام 2008 واشتدت بعد عام 2011.وفق المعلومات التي قدمتها وزارة الطاقة والمناجم، تُعدّ وتيرة الاستخراج أقل من المتوقع. وفقًا لمصادر الصناعة، لم تكن صادرات الفوسفات في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 منخفضة بشكل ملحوظ عن نفس الفترة من العام الماضي  ولكن يبدو أن الصادرات كانت من نواتج استُخرِجت في السابق.

ستؤدي جائحة فيروس كورونا إلى تفاقم القضايا الاجتماعية والبيئية التي تواجه قطاع التعدين، وخاصةً في حوض تعدين قفصة. يعني اعتماد المنطقة على صناعة الفوسفات كمجال التوظيف الرئيسي فيها أن المنطقة معرّضة للتأثر بشدة بأي انخفاض كبير في إنتاج الفوسفات. علاوةً على ذلك، قد تؤدي الاحتجاجات الاجتماعية إلى اضطرار شركة قفصة للفوسفات (CPG) المملوكة للدولة للحفاظ على فرص العمل أو توسيعها بطريقة غير مستدامة. في عام 2019، أبلغت وكالة رويترز عن الآلاف من "العمال الأشباح" - وهم أشخاص على قوائم رواتب شركة قفصة للفوسفات ولكنهم لا يعملون فيها.

التأثير على الإيرادات

لا تُعدّ تونس اقتصادًا يعتمد على الموارد الطبيعية. ومع ذلك، سيضاعف انخفاض الإيرادات من القطاع الاستخراجي التحديات الاقتصادية التي يُحتمل أن تواجهها البلاد بسبب تأثير جائحة فيروس كورونا على السياحة والقطاع غير الرسمي الذي يعتمد عليه كثير من التونسيين في معيشتهم.

تستورد تونس 75% من طاقتها من الخارج، ما يؤثر سلباً على الميزان التجاري للبلاد. في أبريل، اتخذت الحكومة، مُستفيدةً من انخفاض سعر النفط الدولية، خطوات من أجل إلغاء دعم الوقود في البلاد. بإلغاء الدعم عندما يكون السعر منخفضًا، لا يلحظ التونسيون على الفور أي ارتفاع حاد في تكلفة الوقود، ولكن إذا انتعشت أسعار النفط العالمية، فسيحدث ذلك. ورداً على الاحتجاجات بشأن إلغاء الدعم، كررت الحكومة عزمها على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة من خلال مراجعة أجزاء من قانون النفط والغاز ومنح الحوافز لتشجيع مستثمري النفط والغاز على العمل في تونس. النظام المالي التونسي للمحروقات غير جذاب للمستثمرين؛ حيث يتجاوز نصيب الحكومة 75%، بينما تُعدّ الإمكانات الجيولوجية محدودة وتكلفة الاستكشاف والإنتاج مرتفعة.

قالت الحكومة أيضًا إنها ستتبنى إطارًا قانونيًا جديدًا لقطاع المحروقات غير التقليدي (الغاز الصخري بشكل أساسي). في حين أبدى المستثمرون في السابق بعض الاهتمام بالغاز الصخري في تونس، فإن الاضطراب الاقتصادي الحالي، وانخفاض سعر الغاز، وحقيقة أن العديد من المستثمرين سيضطرون إلى شد الأحزمة، يعني أن الإطار القانوني قد لا يكون كافياً لتحفيز الاستثمار في المستقبل.

بالإضافة إلى ذلك، تلتزم تونس بإنتاج 30% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. ومع ذلك، أوقفت جائحة فيروس كورونا مشاريع الطاقة المتجددة. وقد أعرب المسؤولون الحكوميون عن قلقهم من أن هدف 30% لم يعد قابلاً للتحقيق في غضون الإطار الزمني المُحدد.

التأثير على قضايا إدارة الموارد الطبيعية

لم تشهد تونس أي تراجع عن الشفافية خلال جائحة فيروس كورونا حتى الآن. على العكس من ذلك، كشفت وزارة الطاقة والمناجم بشكل استباقي عن المعلومات من خلال صفحة الوزارة على الفيسبوك، حيث قدم المسؤولون تحديثات بشأن قضايا مثل الإنتاج وأسعار الوقود، وخاصةً مستوى الدعم. يتمتع الوزير الجديد للطاقة والمناجم والانتقال الطاقي، المُعيَّن في فبراير، بسجل جيد في مجال الشفافية. أثناء توليه المنصب الوزاري نفسه لمدة سبعة أشهر في عام 2016، أشرف الوزير على النشر الأوّلي لجميع عقود النفط والتعدين. جزئياً، تُعدّ إعادة تعيينه وزيراً استجابةً لمطالبات من المجتمع المدني.     

تم تعليق مسار الانضمام لمبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية (EITI) عمليًا لأنه لم يكن من الممكن عقد اجتماعات بسبب اجراءات الحجر الصحي  والقيود المفروضة على حركة الناس. مبادرة EITI هي منظمة عالمية تنشر تقارير الشفافية السنوية الحكومية والصناعية في قطاع النفط والغاز والتعدين وتقدم اقتراحات حول الكيفية التي يمكن بها للدول والشركات تحسين حوكمة استخراجها.

في خطوة غير مسبوقة في مجال الشفافية والحوكمة، أعلنت الحكومة في شهر ماي  عن إجراء تقييم  شامل  تشاركي  لقطاع المحروقات . وستشمل هذه المهمة ممثلين عن المجتمع المدني إلى جانب هيئات الرقابة  الرسمية.

فيما يتعلق بالقضايا الأخرى لحوكمة الموارد، طلبت الشركات في القطاع الاستخراجي من الحكومة تمديد مدة تراخيص  الاستكشاف لمراعاة حقيقة أن الشركات لا تستطيع العمل أثناء الحجر الصحي. كما طلبت تخفيض المبلغ المطلوب كضمان مصرفي. (تطلب الحكومة ضمانات مصرفية من الشركات لحثها على تحقيق الالتزامات.) في وقت كتابة هذا التقرير، لم يكن من الواضح ما إذا كانت الحكومة ستتخذ أي إجراء بشأن هذه الطلبات.

النظرة المستقبلية

سلّطت جائحة فيروس كورونا الضوء على قطاع الطاقة، حيث أثّرت على القطاع الاستخراجي وعلى دعم تونس للوقود والسياسات العامة لقطاع الطاقة. من غير المحتمل أن تشهد البلاد الاستثمار الإضافي المأمول في النفط والغاز بسبب انخفاض الأسعار العالمية للنفط والغاز وتداعيات ذلك على قرارات المستثمرين والنتيجة النهائية (وهي عوامل يُضاعف النظام المالي التونسي للنفط والغاز من تأثيرها). تبدو استراتيجية تونس للسعي لاستغلال النفط والغاز الصخريين عالية المخاطر، نظراً للاحتمالية المحدودة لتوفر المستثمرين والمخاوف البيئية التي تم التعبير عنها بالفعل في تونس بشأن مثل هذه التحركات. في ضوء التحديات التي تواجه أي جهد لاستغلال الغاز الصخري، يجب على الحكومة النظر في مضاعفة مجهوداتها لبلوغ هدفها  في مجال  الطاقة المتجددة لعام 2030.

حان الوقت لتونس لمراجعة استراتيجيتها للطاقة ودراسة ما إذا كان إنتاج الطاقة المحلي يمكن أن يبتعد عن تركيزها على المحروقات . ينبغي أن يشمل ذلك مراجعة واضحة لقيمة ودور شركة النفط الوطنية التونسية ETAP

تتطلب التحديات المستمرة في منطقة الحوض المنجمي بقفصة اتباع نهج شامل واستشاري، نهجٍ يقلل من الاعتماد غير المستدام على 

قطاع الفوسفات لتوفير سبُل العيش.

وسامهاني هو المدير القُطري لتونس بمعهد حوكمة الموارد الطبيعية (NRGI).

Authors