Image placeholder

"سوناطراك" والانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة في الجزائر


English »

اقتحم مشجّعو نادي "مولودية الجزائر" لكرة القدم، الأسبوع الماضي، مقرّ شركة النفط الوطنية الجزائرية "سوناطراك"، متّهمين الشركة بالتخلف عن دفع رواتب لاعبي هذا النادي الذي تملكه. وحمّل المقتحمون الغاضبون الشركة مسؤولية النتائج السلبية التي حققها فريقهم خلال الجولات الأخيرة من البطولة المحترفة الأولى لكرة القدم.


وإذا كان الجزائريون قد استشاطوا غضباً بسبب أداء ضعيف في مباريات كرة القدم، فتخيّلوا سخطهم عندما ستتراجع إيرادات "سوناطراك" بسبب التغيرات العالمية التي تؤثّر على قطاع النفط والغاز، وبالتالي عجز الشركة عن الاستمرار في تأدية دور محوري في الاقتصاد الجزائري. فالعالم يمرّ اليوم بمرحلة تحوّل في مجال الطاقة، ما يحتّم على البلدان المعتمدة على الموارد وعلى شعبها وشركاتها المملوكة من الدولة الاستعداد للمرحلة المقبلة وإعداد استراتيجية تساعدها على الفوز في المنافسة.

لقد أدّت جائحة كورونا إلى تسريع الكثير من الاتجاهات العالمية، بما في ذلك الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة النظيفة. وكلّما كان هذا الانتقال سريعاً، ازدادت حدّة الخطر على شركات النفط الوطنية والحكومات التي تعتمد على الإيرادات النفطية، إلا إذا كانت مستعدة جيداً لما هو قادم.

وفي هذا السياق، لا يمكن لحكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعوّل على النفط والغاز لتحقيق الإيرادات أن تتجاهل التوجّه العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة، بل عليها أن تتحرّك بسرعة لكي تضمن مستقبلاً آمناً لمواطنيها. ولهذه الغاية، قام معهد حوكمة الموارد الطبيعية بإعداد موجز جديد بعنوان "شركات النفط الوطنية والانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" (وهو موجز مصاحب للتقرير المعنون "رهانات محفوفة بالمخاطر: شركات النفط الوطنية والتحوّل في مجال الطاقة"). وشركة "سوناطراك" الجزائرية هي من بين شركات النفط الوطنية الثلاثة التي نتطرق إليها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب قطر للبترول وأرامكو السعودية، ويبدو أنها الأكثر عرضةً لتداعيات هذا التحوّل المتسارع.

فالجزائر هي أكبر دولة منتجة للنفط والغاز في شمال أفريقيا وهي تعتمد اعتماداً كبيراً على المحروقات للتصدير وتحقيق الإيرادات الحكومية التي يمثّل قطاع النفط والغاز الجزائري 60 في المئة منها. وتهيمن "سوناطراك" على أكثر من 75 في المئة من إنتاج المحروقات المحلي وهي تشكّل حجر الأساس الداعم للاقتصاد، ما يستوجب من إدارة الشركة ومن المسؤولين الحكوميين الاستعداد لمواجهة التغيرات العالمية.


استراتيجية جديدة للشركة؟

لا شكّ في أنّ شركات النفط الوطنية التي تملك احتياطيات مثبتة متضائلة ونسبة كبيرة من الأصول الجيولوجية مرتفعة التكلفة ضمن مَحافظها المستقبلية المحتملة تواجه خطراً فعلياً يتمثّل بـ "جنوح الاستثمارات" وقد تجد صعوبة في المحافظة على الإيرادات وكميات الإنتاج المتوقعة والمبالغ المحوّلة إلى خزينة الدولة. ويبيّن تحليل معهد حوكمة الموارد الطبيعية أنّ شركات النفط الوطنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تستثمر أكثر من 66 مليار دولار أميركي في مشاريع للنفط والغاز يُستبعَد أن تحقق نقطة التعادل إذا قامت دول العالم بالوفاء بالتزاماتها المناخية. وتُعتبر محفظة "سوناطراك" الأكثر عرضةً لهذا الخطر خصوصاً أن 12 مليار دولار أميركي من نفقات المشاريع (أي أكثر من 25 في المئة من النفقات الرأسمالية المشمولة في ميزانية الشركة) مخصصة لمشاريع يتراوح سعر التعادل فيها بين 40 و50 دولاراً أميركياً.

وبالإضافة إلى احتمال الاستثمار في مشاريع مرتفعة التكلفة، يتعين على "سوناطراك" الاستمرار في تلبية الطلب المحلي المتزايد على الغاز الطبيعي الذي يُباع للمواطنين بأسعار مدعومة، ما يخفّض الحصة المتاحة للصادرات المدرّة للإيرادات. وتنتج عن هذه التحديات تداعيات على محفظة الشركة، فهي تعيق الوصول إلى التمويل والشراكات التي تساعد الشركة على تنويع محفطتها.

وبغية الحدّ من هذه المخاطر، تسعى الشركة حالياً إلى الانتقال إلى الغاز الطبيعي المسال. ويشمل نهجها هذا الاستثمار في مشاريع حالية وجديدة للغاز الطبيعي المسال بغية تنويع محفظتها الخاصة بتصدير الغاز. ويعتمد نجاح هذا النهج على توفر الاحتياطيات المحلية والتكنولوجيا اللازمة لبيع الغاز بتكلفة تنافسية – وأيضاً على قدرة الطلب على الغاز على الصمود في وجه مصادر الطاقة المتجددة الأقل تكلفة. إضافةً إلى ذلك، يتعين على "سوناطراك" التحلي بقدرات تجارية تخوّلها المتاجرة بالغاز الطبيعي المسال (بدلاً من الاكتفاء بتوريده)، والتوسّع عالمياً لضمان المرونة والتنوع في محفظتها، والاستفادة من الموارد المالية لحجز مكان لها في سلسلة القيمة الخاصة بالغاز. لكنّ الشركة اضطرت إلى خفض إنفاقها إلى النصف في العام 2020 بسبب انهيار أسعار النفط، ما أعاق قدرتها على التوسع والدخول إلى أسواق متنامية، كأسواق الكيماويات والبلاستيك.

حالة العلاقة بين الحكومة و"سوناطراك"

تتحمّل "سوناطراك"، إلى جانب الحكومة، وكالكثير من شركات النفط الوطنية، مسؤولية مالية كبيرة تجاه المواطنين ورفاههم. ويؤدي تراجع إيرادات النفط والغاز إلى زيادة هذه الضغوط. لذلك، بالإضافة إلى استراتيجية الأعمال والاستراتيجية الاستثمارية للشركة، يتوجب على الحكومة الجزائرية إعادة النظر في العلاقة المالية بين "سوناطراك" والدولة بما أنه قد يتعذّر تلبية التوقعات المتعلقة بالتحويلات المالية (المتأتية عن الضرائب والأرباح والمدفوعات الأخرى التي تسددها الشركة للحكومة). ويقدّر صندوق النقد الدولي سعر التعادل المالي في الجزائر – أي سعر النفط الضروري لتلبية متطلبات الإنفاق المتوقعة وفي الوقت نفسه تحقيق التوزان في الميزانية الوطنية – بـ 92 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد. ويرتفع هذا الرقم شهرياً ويسجل ارتفاعاً أكبر في ظلّ تفشي جائحة كورونا. واستناداً إلى الميزانية الجديدة، من المرجّح أن تحدد "سوناطراك" سعر النفط بـ 135 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد لتحقيق نقطة التعادل المالي، لكن من المستبعد أن يتحقق هذا السعر قريباً (أو في أيّ وقت كان). ويتعارض ذلك مع ما يفترضه الكثير من شركات النفط والمحلّلين بأنّ متوسط سعر النفط في العقود القليلة المقبلة سيبلغ 60 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد. حتى مع انحسار الجائحة، من المرجّح أن تبقى أسعار النفط منخفضة وأن يكون الارتفاع الحادّ لأسعار النفط هو الاستثناء. وبالتالي، يتعين على الحكومة أن تكفّ عن الاعتماد على "سوناطراك" وأن تبحث عن مصادر جديدة للنقد.


الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة

تفتقر "سوناطراك" إلى الأموال والاحتياطيات منخفضة التكلفة، ما سيجعلها أقلّ قدرة على التأقلم مع تراجع الأسعار مقارنةً بالشركات الإقليمية العملاقة مثل أرامكو وقطر للبترول. ولذلك، من الضروري أن تجري "سوناطراك" تحليلاً دقيقاً للمخاطر المتعلقة بقرارات تخصيص رأس المال. ويتعين على كلّ من الحكومة و"سوناطراك" إعادة النظر في الافتراضات التقليدية للشركة في ما يتعلق بالنفقات العامة، ويتوجب على الحكومة أن تحدد بوضوح دور الشركة في عملية الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة محلياً وأن تشرح هذا الدور للمواطنين.

وفي ظلّ تراجع هوامش الربح في القطاع، يتقلص أيضاً هامش الخطأ، ما يجعل الكفاءة والنزاهة اليوم مهمّتين أكثر من أيّ وقت مضى. وبالتالي، يتعين على "سوناطراك" مضاعفة استثماراتها في الشفافية وإصلاح الحوكمة المؤسسية.

وقد اتخذت الشركة بالفعل تدابير لتعزيز الشفافية والحوكمة. وفي مؤشر حوكمة الموارد للعام 2017، الذي جرى بموجبه تقييم الأداء باستخدام بيانات العام 2015-2016، سجلت "سوناطراك" 47 نقطة من أصل 100 نقطة، فحلّت في المرتبة 31 من بين 52 شركة مملوكة للدولة جرى تقييمها، وهو أداء "ضعيف" بالنسبة إلى هذا المؤشر. وفي تقييم مرحليّ لمؤشر حوكمة الموارد للعام 2020، سجلت الشركة 65 نقطة من أصل 100 نقطة، أي زيادة بمقدار 18 نقطة، وأصبح أداؤها بالتالي يُعتبر مُرضياً بدلاً من ضعيف. وهذا تطوّر إيجابي ينبغي أن يستمر.

وأخيراً، يجب أن توفّر الحكومة الجزائرية و"سوناطراك" مساحة للمواطنين تتيح لهم أن يناقشوا مع المسؤولين الحكوميين وطاقم الشركة أثرَ الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة على قطاع النفط والغاز المحلي. وينبغي أن تتعاون جميع الجهات ذات العلاقة للبحث عن حلول لمواجهة التحدي الذي تطرحه عملية الانتقال هذه، على أن تركز هذه الحلول على المواطنين أولاً.


 

Top image by Oguz Dikbakan / Shutterstock; bottom image by elena bee / Shutterstock. 

Authors